السردية التاريخية الوطنية. مداخل للفهم

الجمعة 22 نونبر 2024

بالمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب

تُعرف السردية الوطنية récit national بأنها وضع سرد mise en récit لماضٍ تاريخي تكون الأمة مرجعه الرئيس، ويتم إنتاج هذا السرد لاستخدامه في حاضرها والاعتماد عليه في بناء مستقبلها. السردية الوطنية تبني تاريخ أمة وتسهم في صهر وحدتها وتوحيد مختلف مكوناتها، فكلما كانت هاته المكونات متنوعة في ثقافتها المحلية ولغتها وتقاليدها، كلما كانت الحاجة ملحة لتبني سردية تاريخية وطنية تجمع هذا الاختلاف والتنوع وتدمجه في سردية شاملة   inclusif، لتشكل الهوية السردية الوطنية .identité narrative nationale ويمكن التعبير عن هذه السردية من خلال الأحداث التاريخية والشخصيات البارزة والأساطير المؤسسة والتقاليد الثقافية والرموز الوطنية…

لقد شكلت ولادة الحركة الوطنية في ثلاثينات القرن الماضي لحظة مفصلية في تاريخ المغرب المعاصر، إذ يمكن اعتبارها مرحلة ولادة مفهوم جديد للوطنية وتعزيز الوعي بالانتماء لأمة موحدة، مهدت كذلك لظهور نخبة سياسية جديدة، تختلف عن تلك التي كانت في مغرب ماقبل الحماية. في هذا السياق أنتجت الحركة الوطنية سردية ذات خصوصية للهوية المغربية في مواجهة المستعمر، وتعززت هاته السردية مع الاستقلال لتنخرط في سردية الدولة الوطنية. وغالبًا ما توظف السردية الوطنية في البرامج التعليمية، والخطب السياسية، والاحتفالات العامة لتشكيل الوحدة وتعزيزها ونقل القيم الجماعية. التي لاتظل ثابتة، بل تتطور مع مرور الوقت، وتعبر التغيرات السياسية والاجتماعية للاستجابة للتحديات التي تواجه الأمة. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تكون هذه السردية أيضًا موضوعًا للنقاش، خاصة عندما تسعى بعض فئات المجتمع إلى مراجعة هذه السردية لدمج تاريخها الجماعي في السردية الوطنية.

يسعى اليوم الدراسي إلى الإجابة عن الأسئلة التالية: كيف تم بناء السردية الوطنية المغربية؟ وكيف تطورت؟ وماهو دور الكتابات التاريخية والذاكرة في صناعة السردية الوطنية؟ كيف دمجت هذه السردية (أو لم تدمج) مكونات الهوية المغربية كما تم تعريفها في دستور 2011؟ وما هي هوية الأمة المغربية في هذه السردية؟ ماهي أيضاً مكانة السردية الوطنية في الكتب المدرسية، وفي المجالات السياسية والإعلامية والأدبية؟