تحل في بداية سنة 2023 الذكرى الثمانون لمؤتمر أنفا المنعقد في شهر يناير من سنة 1943. وقد سبق هذا اللقاء إنزال القوات الأمريكية على الساحل الأطلسي المغربي بتاريخ 8 نونبر 1942. ويشكل الحدثان منعطفا كبيرا في تاريخ العالم المعاصر لكونهما ساهما بشكل حاسم في مجرى الحرب العالمية الثانية وسقوط الرايخ الثالث، كما كانت لهما تداعيات على تطور أوضاع المغرب وكفاحه للحصول على استقلاله.

   تتسم العلاقات التي تجمع بين البلدين، ليس فقط بتجذرها في التاريخ ولكنها تشمل أيضا العديد من مجالات التعاون في الوقت الحاضر. فمن المعلوم أن السلطان سيدي محمد بن عبد الله كان أول عاهل في (إفريقيا والعالم العربي الإسلامي) يعترف باستقلال الدولة الناشئة للولايات المتحدة، بالرغم من التوترات المحتملة في علاقاته مع إنجلترا  المتواجدة منذ سنة 1704 بجبل طارق.

   وقد توطدت هذه العلاقة بتوقيع معاهدة سلم وصداقة بين البلدين بمراكش سنة 1786؛ وكانت الولايات المتحدة تراعي في اهتمامها بالمغرب موقعه الاستراتيجي في غرب البحر الأبيض المتوسط، ودور الوساطة ما بين إيالات الجزائر وطرابلس في قضايا ونزاعات مرتبطة بأمن وسلامة سفنها التجارية. وفي سنة 1986 تم الاحتفاء بمرور قرن على العلاقات المغربية الأمريكية تحت الرعاية السامية لكل من جلالة المغفور له الحسن الثاني والرئيس الأمريكي رونالد ريغان.

وقد اعترف، السلطان المولى سليمان (1792-1822) بمعاهدة 1786 ووافق على تمديد صلاحياتها، كما أنه أهدى الأمريكيين سنة 1821 دارا في طنجة لتتخذ مقرا دائما لقنصلهم وقد تم الاحتفاء بذكراها المئوية سنة 2021.

   وبالرغم من قلة عدد الأمريكيين الذين استقروا في طنجة والدار البيضاء إبان القرن XIX وبداية القرن XX، فإن الولايات المتحدة كانت تسعى على الدوام إلى تمتين علاقاتها مع المغرب. ويتجلى ذلك من خلال المعاهدة المبرمة مع السلطان المولى عبد الرحمان بن هشام بمكناس سنة 1836.

كما استجاب المغرب ثلاثة عقود بعد ذلك، في سياق حرب الانفصال التي كانت تمزق هذا البلد، إلى الطلب الرامي إلى منع رسو السفن المنتمية لانفصالي الجنوب في الموانئ المغربية. وفي مراحل لا حقة انضمت الولايات المتحدة، وساهمت في مؤتمرين دوليين خاصين بالمغرب: الأول بمدريد (1880)، والثاني بالجزيرة الخضراء (1906).

   وقد مثلت بنود اتفاقية الجزيرة الخضراء، وخاصة المبدأ المتعلق بسيادة السلطان، ونظام “الباب المفتوح” و”الحرية دون اللامساواة” حجر الزاوية للدبلوماسية الأمريكية إزاء فرنسا غداة فرضها للحماية على المغرب. فقد تأخرت الخارجية الأمريكية في الاعتراف بهذا النظام، إلى جانب رفضها إلغاء الامتيازات القنصلية التي كان يتمتع بها المواطنون الأمريكيون وبعض شركائهم من المغاربة.

   ومن ضمن هؤلاء، تجدر الإشارة إلى بعض المنخرطين في الحركة الوطنية خلال الفترة 1940-1930 بجانب مناضلين آخرين، وهم الذين حاولوا أيضا التقرب أكثر من الأمريكيين بعد عملية الإنزال في 8 نونبر 1942، وكذا بعد اللقاء الذي جرى بين السلطان محمد بن يوسف والرئيس فرانكلين روزفلت في مؤتمر آنفا.

   وقد تكرس هذا التقارب في بداية الخمسينيات عندما وضعت الولايات المتحدة دعوة قضائية لدى المحكمة الدولية تتهم فيها فرنسا بخرق بنود اتفاقية الجزيرة الخضراء. ثم تعززت العلاقات فيما بين البلدين في سياق” الحرب الباردة ” من خلال تزايد اهتمام الولايات المتحدة بموقع المغرب الاستراتيجي في مدخل البحر الأبيض المتوسط والجناح الجنوبي لأوروبا الغربية والحلف الأطلسي (OTAN).

   وقد عكست بدورها زيارات جلالة الملك الراحل محمد الخامس طيب الله ثراه لواشنطن، والرئيس إيزنهاور للدار البيضاء مدى متانة العلاقات بين البلدين. فيما واصل الملك الحسن الثاني رحمه الله السير على نفس النهج، بتكريس انخراط المغرب في المعسكر الليبرالي، وللدور الذي لعبه في القمم العربية والإسلامية وعلى رأس لجنة القدس، من خلال السعي إلى إيجاد حلول لنزاع الشرق الأوسط، خاصة في عهد الرئيس رونالد ريغن.

   ويواصل حاليا جلالة الملك محمد السادس حفظه الله رئيس لجنة القدس السير على نفس النهج في تمتين الروابط مع الولايات المتحدة؛ وتجلى ذلك في اعتبار المغرب حليفا استراتيجيا والاعتراف الأمريكي الرسمي بمغربية الصحراء.

   وعلى المستوى الثقافي والعلمي، فإن ما يميز التعاون بين البلدين بشكل خاص هو تبادل الزيارات للباحثين من ضفتي المحيط الأطلسي. وتمثل هذه الندوة الدولية فرصة للوقوف على ما قدمه هؤلاء من أجل فهم أعمق لأوضاع وواقع المغرب.

   كما أن هذا الملتقى سيشكل فرصة لتناول مكونات أخرى من العلاقات المغربية الأمريكية في سياق عالمي يتسم منذ مدة بظهور عالم متعدد الأقطاب، مع ما لذلك من تداعيات على العلاقات الثنائية.